في الوقت الذي تتسابق فيه شركات السيارات نحو تطوير تقنيات القيادة الذاتية، تتخذ بي إم دبليو مسارًا مختلفًا يعتمد على الحذر والالتزام الصارم بالسلامة، حتى لو منح ذلك شركات مثل تسلا فرصة التقدم أولًا في هذا المجال، فالشركة الألمانية ترى أن السلامة ليست قابلة للمساومة، وأن أي تسريع غير محسوب قد يؤدي إلى نتائج لا تتماشى مع قيمها وصورتها العالمية.
تعتمد صناعة السيارات اليوم على مستويات القيادة الذاتية الستة التي وضعتها جمعية مهندسي السيارات (SAE)، بدءًا من المستوى صفر الذي يقدم تنبيهات محدودة، ووصولًا إلى المستوى الخامس الذي يتيح قيادة كاملة دون تدخل بشري، وبينما يتوفر المستوى الثاني حاليًا للجمهور في عدة دول، تأتي معظم طرازات بي إم دبليو الحديثة مجهزة بهذا المستوى، القادر على الحفاظ على المسار وتعديل السرعة وفق ظروف الطريق، لكن تحت إشراف السائق بشكل مستمر، وفي بعض الأسواق، توفر الشركة خيار المستوى الثالث في الفئة السابعة، مما يسمح بالقيادة دون وضع اليدين على المقود بسرعات تصل إلى 60 كم/س على الطرق السريعة المغلقة.

على الجانب الآخر، دفعت تسلا تقنياتها خطوة أبعد من خلال ما تسميه القيادة الذاتية الكاملة FSD، والتي أصبحت متاحة مؤخرًا في بعض الأسواق بإصدار خاضع للإشراف. ورغم قدراتها الواسعة، ما زالت هذه الأنظمة مصنفة ضمن المستوى الثاني بسبب الحاجة الملحة إلى متابعة السائق للطريق، فضلًا عن ارتباطها بعدة حوادث أثارت الكثير من الجدل حول مدى أمانها. ورغم ذلك، تبقى تسلا قادرة على إدارة المواقف اليومية للقيادة داخل المدن بدرجة عالية من التلقائية.

هذا المشهد لم يمنع بي إم دبليو من العمل على أنظمة قيادة ذاتية متطورة، لكنها ترفض القفز إلى الأمام على حساب المبادئ الأساسية. الدكتور فالك شوبيرت، رئيس قسم وظائف العملاء وأنظمة القيادة المساعدة في BMW، يؤكد أن الشركة تراقب كل التطورات في السوق، لكنها تتقدم بخطوات محسوبة. ويشير إلى أن هدف الشركة الحالي يتجه نحو تطوير مستوى “2 بلس بلس” قادر على التعامل مع القيادة داخل المدن من عنوان إلى آخر، ولكن بشكل يضمن أعلى درجات الأمان والموثوقية. ويرى أن خطأ واحدًا قد يضر بسمعة الشركة ويقوض الثقة التي بنتها عبر عقود، وهذا ما يجعل نهج “السلامة أولًا” جزءًا أساسيًا من تصميم كل نظام جديد.

تركز بي إم دبليو في تطوير تقنياتها على قيم ثلاث: الأمان، الذكاء، ومتعة القيادة. وهي تؤمن بأن تقديم تقنية قابلة للاستخدام في الحياة اليومية يتطلب اختبارات واسعة وتدريجًا مدروسًا في الإطلاق، بدءًا من الطرق السريعة ثم التوسع تدريجيًا إلى بيئات أكثر تعقيدًا مثل المدن. لهذا السبب، تعتمد الشركة على أسطول كبير من سيارات الاختبار، وتعمل على تحسين الخرائط وفهم الحالات الخاصة في كل سوق قبل إطلاق أي نظام جديد تجاريًا.
ورغم خطواتها المدروسة نحو القيادة الذاتية، تواجه بي إم دبليو تحديًا يتعلق بهويتها التسويقية. فمنذ عام 1965، ارتبط اسمها بشعار “متعة القيادة”، وهو ما يجعل تقديم تقنيات تقلل من تدخل السائق تحديًا فلسفيًا للعلامة. ومع ذلك، تعترف الشركة بأن هناك حالات قد تجعل القيادة الذاتية خيارًا عمليًا ومطلوبًا، مثل العودة إلى المنزل بعد يوم طويل أو في حالات إرهاق السائق، شريطة ألا تتعارض التكنولوجيا مع جوهر العلامة وقيمها المميزة.
بالنسبة للمستويات الأعلى مثل الرابع والخامس، ترى بي إم دبليو أن الطريق لا يزال طويلًا. فهذه الأنظمة مكلفة جدًا، وتتطلب حساسات وكاميرات تحتاج إلى تنظيف ومعايرة وصيانة مستمرة، وهي أمور تجعل استخدامها في السيارات الاستهلاكية غير عملي في الوقت الحالي. وحتى الأنظمة المتقدمة مثل المستوى الثالث لا تتناسب مع جميع الطرازات، إذ تبلغ كلفتها حوالي 6000 يورو في الفئة السابعة، بينما لا يتوقع أن يقبل زبائن الفئات الأصغر دفع هذا المبلغ مقابل أنظمة لا تعد ضرورية بالنسبة لهم.
تنتهي رؤية بي إم دبليو بمبدأ واضح: التقدم نحو القيادة الذاتية سيكون تدريجيًا، محسوبًا، ومبنيًا على أعلى درجات الأمان، دون التسرع أو تقديم تقنيات غير مكتملة قد تعرض السائقين للخطر أو تضر بصورة الشركة. ومع أن المستقبل قد يحمل سيارات من BMW قادرة على القيادة بشكل كامل، فإن هذا المستقبل لن يصبح واقعًا إلا عندما تثق الشركة بأن التكنولوجيا جاهزة فعلًا، وبأنها قادرة على الحفاظ على جوهر علامتها الذي طالما اقترن بمتعة القيادة.
شاهد أيضاً:
بي إم دبليو iX3 2026 هي سيارة SUV كهربائية فاخرة تستحق الانتظار
بي إم دبليو تكشف عن مجموعة من الألوان الكلاسيكية لسيارة M3 سيدان موديل 2026
مواصفات بي إم دبليو M3 CS تورينج

